د. عزة هيكل تكتب.. بين الرسالة والاسفاف.. العتاولة وبابا جه
أنا حوالكل فن وإبداع مفرداته وعناصره المتعددة والمتفردة التى تميزه عن الفنون والآداب الأخرى، فإذا كانت القصة أو الحدوتة هى العمود الفقرى للرواية، فإن الموسيقى والخيال هما أساس الشعر كما الحركة والصراع أوتاد الدراما والمسرح بينما الصورة والسيناريو والآخراج أسآسيات السينما فى مقابل المؤثرات الصوتية والحوار فيما يخص الإذاعة، ونجد الألوان والتشكيل والتكوين لب الفنون التشكيلية والرسم، بينما الإيقاع والتناغم الحركى والجسدى للفنون الإستعراضية والإيقاعيّة الحركية، ولأننا نعيش اليوم عصر جديد تجتمع فى عدة فنون بصرية وسمعية وحركية مع تقنيات تكنولوجية حديثة خاصة فى التلفزيون والمنصات الرقمية، فإن فن الدراما التلفزيونية جامع شامل للعديد من هذه الفنون الإبداعية وهو ما جعله متفردًا فى بداياته ومنافسًا قويًا للسينما والمسرح وحتى الشعر والإستعراض من خلال أعمال درامية كان الحوار بها أقرب إلى موسيقى الشعر وخياله وتضمنت أعمالا إستعراضية مثل «ألف ليلة» و«أنا وأنت وبابا فى المشمش» أو أعمال مثل كتابات عبدالسلام أمين وحواره الشعرى فى عمر بن عبدالعزيز وهارون الرشيد، كما يعد الديكور مكملًا للفنون التشكيلية فى بناء الصور البصرية التى تعبر عن الحكاية والصراع ولكن يظل للدراما التلفزيونية عناصر جوهرية من بناء للشخصية فى محيطها الزمنى وخلفيتها المكانية والإجتماعية لتحمل تلك الشخصية حوارًا يتضمن لغة وصراع وتيمات وأفكار ورسائل فى قالب الحدوتة والحكاية المترابطة البناء المتصاعدة الأحداث المتماسكة الحبكة والخيوط المتعددة من عدة شخصيات وأحداث وأماكن وأزمنة ممتدة تحكى وتروى فى تصاعد درامى فنى.. وفى هذا العام نجد خريطة درامية رمضانية متنوعة للعديد من الأعمال الدرامية ما بين التاريخى والإجتماعى والكوميدى والأكشن البوليسى، وإن كانت السمة الغالبة على الأعمال الدرامية هى ذلك القالب البوليسى الذى يبدأ بجريمة قتل أو سرقة أو إعتداء أو حادثة وتتصاعد أحداث الإثارة والتشويق والبحث عن الحقيقة ومن الجانى، وفى منتصف الحدوتة بعض الحب والخيانة والغيرة والمشاعر المتضاربة لكنها تبنى حكايات بوليسية تذكرنا بقصص المغامرون الخمسة وشارلوك هولمز الحديث، ولا نقول آجاثا كريستى الرائعة فى مزج النفسى مع البوليسى والاجتماعى.. ومع هذا فإن هناك أعمالا تستحق المتابعة لأن بها عناصر إبداعية جديرة بالذكر والمشاهدة، ففى «العتاولة» تأليف هشام هلال، إخراج أحمد خالد موسى، نجد أحمد السقا وزينة وطارق لطفى وباسم سمرة وفريدة سيف النصر، فى إطار جديد قديم؛ حيث تأثير البيئة على الأسرة وعلى النشأ، وعلى الطريق الذى يسير فى الإنسان ومع أنها فكرة مكررة إلا أن التناول حاول أن يطرح مجموعة حكايات متداخلة لكن الحوار لم ينجو من فخ بعض الإسفاف، ذلك لأن الأحداث تدور فى إطار السرقة والنصب والاحتيال وإن كانت الشخصيات نمطية فى تكوينها إلا أن المخرج مع التصوير قدم تكنيك جديد لأنه إستخدام المكان والبيئة إستخدامًا دراميًا فصار جزءًا رئيسيًا فى الأحداث، وهذا يعد عنصرًا إبداعيًا يضاف إلى عناصر الدراما ويحدد طبيعة العمل ذو القالب البوليسى الإجتماعى والذى مزجه المخرج ببعض قطرات من الكوميديا البسيطة حتى يجذب المشاهد.
أما مسلسل «بابا جه» لأكرم حسنى ونسرين أمين ومحمد أوتكا، تأليف «ورشة عمل» إخراج خالد مرعى، فإن القصة جيدة وهادفة إلى حد كبير حيث تتعرض لقضية مجتمعية هامة وحساسة وشائكة، إلا وهى دور الأب فى البيت وفى الأسرة وهل ينحصر الدور فى الإنفاق المادى أم فى المركز والمنصب؟، أم أن للأب دورًا بل أدوارا أن غابت تفككت الأسرة وضياع الأبناء؟، والعمل ينتقل بين عدة أحداث من خلال قصص منفصلة متصلة لأسر مختلفة والتى تلعب الأم فى معظمها الدور الرئيسى والأساسى مع الأبناء، ويظل دور الأب هامشيًا فى الظاهر أو ماديًا ولكنه لا يفى باحتياجات الأبناء عاطفيًا وفكريًا، فالأب هو السند والظهر والقوة والاحتواء فإن غاب عنصر منها فإن التوازن الإجتماعى يفسد ويضيع الأبناء ما بين مخدرات أو فشل أو مرض نفسى ويسقط المجتمع وهذا ما قدمه المخرج خالد مرعى بسلاسة وبساطة ليصل للصغير والكبير فى قالب كوميدى ساخر
هذان المسلسلان من الأعمال التى بها عناصر فنية وعوامل جذب، وهناك أعمال درامية أخرى تستدعى الدراسة والتحليل والنقد بعد المشاهدة.. رمضان كريم.