محمد الغيطي يكتب.. شيوخ الإسلام في حياة نجيب الريحاني المسيحي
أنا حوامر يناير شهر ميلاد الضاحك الباكي نجيب الريحاني 21 يناير 1889 ويتجدد الحديث حول علاقة هذا الفنان العملاق الأسطوري بالعقيدة والدين وقد
فوجئت بأحد المتنطعين على السوشيال ميديا يجزم أن نجيب الريحاني مات مسلمًا، وأن أهله تكتموا هذا الخبر ولأنني قضيت سنوات أبحث في سيرة وتراث هذا الفنان العبقري فقد استفزني ما قرأت لعدة أسباب أن هذه المعلومة وردت على سبيل الشائعة بعد وفاته لأنه كان يضع بجواره عندما مات نسخة من القران الكريم وأيضًا نسخة من الكتاب المقدس والسبب الآخر أن نجيب كان يحفظ بعض السور وكان يرددها ويتلوها أمام صديقه الشيخ محمد رفع وكان يقلده أحيانا عندما يلح الشيخ نفسه في طلب ذلك منه وللأسف بعض المنصات الإلكترونية تحدثت عن اسلامه قبل الرحيل وزاد البعض انه أعلن إسلامه أمام أحد علماء الأزهر وهو الشيخ مصطفى القاياتي هو الشيخ الذي خرج في ثورة 19 مع الأنبا سيرجيوس بتنسيق من نجيب الريحاني نفسه لأنه كان صديقًا للشيخ والقس وهو الذي أطلق شعار يحيا الهلال مع الصليب وكان بجواره سيد درويش وروز اليوسف في مظاهرة المشخصاتية في أول يوم لانطلاق مظاهرات ثورة 1919 ضد الاحتلال الإنجليزي واعتراضًا على نفي سعد زغلول.
نعود لسؤال البعض في مواقع التواصل هل أعلن الريحاني إسلامه قبل وفاته؟، الحقيقة يذكرها بديع خيري في مقدمة مذكرات الريحاني التي نشرتها دار الهلال بعد رحيل الريحاني والتي يؤكد فيها أن الريحاني مات وبجواره نسخة من الكتاب المقدس ونسخة من القرآن الكريم وكتاب الفية ابن مالك، وأضاف بديع خيري أن الريحاني كان يحفظ أجزاء من القرآن الكريم ويتلوها أمام الشيخ مصطفى القاياتي العالم الأزهري الشهير، ويعود حفظ نجيب للقرآن إلى سنوات دراسته الأولى في مدرسة الخرنفش حيث تعلم اللغة الغربية على يد الشيخ بحر والذي احتضن نجيب لأنه كان يلقي الشعر بصوت منغم وتشكيل منضبط وكان الشيخ بحر يقول لـ نجيب حسبما ذكر في مذكراته يطلب منه تلاوة القران لحلاوة صوته وأيضًا كان نجيب يحفظ مقدمة الفئة ابن مالك التي ترصد قواعد اللغة العربية وكان نجيب يفتخر انه يحفظ الألفية ويرددها أفضل من طلاب الأزهر.
إذن نستخلص من ذلك أن نجيب الريحاني الكلداني المسيحي الكاثوليكي العراقي الأصل كان يحفظ القرآن كما يحفظ آيات الإنجيل وانه لم يفرق بين الديانتين بل كان البعض يتصور انه مسلم وأن بديع خيري زميله والكاتب الذي كتب معظم أعمالهما مسيحي وحدث أن والد بديع مات فذهب نجيب إلى اقرب كنيسة بينما كان العزاء في المسجد وعندما ماتت لطيفة أم نجيب ذهب بعض الجمهور إلى أقرب مسجد للتعزية وهذا معناه أن فكرة المواطنة والهوية المصرية كانت هي الصخرة التي تتمزق عليها أية دعاوى للتفرقة على أساس الدين وأن أية فتنه طافية كانت تموت في مهدها، وفي تاريخ الريحاني صداقات قوية مع العديد من المشايخ ومنهم الشيخ أحمد الشامي الذي كون مع شقيقه فرقة مسرحية جوالة كانت تقدم المسرحيات العالمية في عصر اتسم بالتعدد الثقافي في بدايات القرن العشرين وهذه الفرقة التحق بها الربحاني وهو شاب بعد أن هرب من وظيفته بالبنك الزراعي واتهم في واقعة كان برى منها وهي واقعة التهجم على زوجة رئيس القلم الذي كان يعمل به في البنك واثناء مشادة مع رئيسه سقط مغشيًا عليه وتصور انه مات وظل مختفيًا وسط الفرقة الجوالة في الأقاليم حتى ظهرت الحقيقة على يد صديقه عزيز عيد وارجعه للقاهرة، وهناك شيخ أخر هو عبد الرحيم بدوي صاحب مطبعة الرغائب وكان يترجم الريحاني له بعض الروايات الفرنسية وكان الشيخ عاشقًا للمسرح وأراد أن يؤجر فرقة الريحاني وينفق عليها فأحاله الريحاني لمدير الفرقة الخواجة أصلان الذي وقع معه عقدًا مقابل دفع 35 جنيه في الليلة لمدة شهر ولكن الإيراد لم يغط المبلغ فذهب الشيخ يصرخ للريحاني الذي تنازل عن أجره ليعوض خسارة الشيخ عبد الرحيم ولكن يظل أهم شيخ في حياة الريحاني هو الشيخ سيد درويش الذي حدثت بينهما كيمياء خاصة ومنذ انتهاء الحرب العالمية الأولى أبدعا معًا أعظم تجليات المسرح الاستعراضي ومنها العشرة الطيبة والباروكة والليالي الملاح ويذكر الريحاني في مذكراته انه أمام سيد درويش كان يشعر بالوحي والالهام بتدفقات ساحرة وفي الجلسات المشتركة بينهما كان درويش يقول عبارة ليكملها درويش ويكتبها بديع خيري ومن هذه التجليات قوم يا مصري وأغاني الحرفيين وغيرها من هذا التراث الخالد، ولا عجب أن هذا الثنائي كان صوت ثورة 19 وصايا معًا أعظم معاني الهوية الوطنية التي كان شعارها الدين لله والوطن للجميع هذا التراث وهذه السيرة نحتاج لتقديمها الآن بشدة لنقول للأجيال أن المواطنة فوق أي اعتقاد وأن الوطن فوق أي اعتبار.