” تأليف الدكتور عوض الغباري”.. المفارقة في كتاب هز القحوف في شرح قصيدة أبى شادوف
أنا حواهذا الكتاب قسمان؛ تحليل ودراسة نقدية للمفارقة في كتاب "هز القحوف في شرح قصيدة أبي شادوف " للشيخ "يوسف الشربيني". ويتناول "هز القحوف" الأحوال السيئة للفلاح المصري أواخر العصر العثماني في القرن السابع عشر الميلادي.
وأسلوب "الشربيني" في "هز القحوف" حافل بالفكاهة التي تميز الأدب الساخر الذي عالجناه وفقًا لنظرية "المفارقة" وآلياتها في التنفيس عن الجد وهموم الحياة بالضحك والسخرية والفكاهة اللازمة للتوازن النفسي والمراوحة بين الجد والهزل. والشيخ الشربيني "يوسف بن محمد بن عبد الجواد بن خضر الشربيني" من علماء الأزهر ينتسب إلى بلدته "شربين"، وقد اشتهر بسبب ذيوع كتابه "هز القحوف" .
وإذا استقرأنا شخصية "الشربينى " من "كتابه" وجدناه عالما شاعرًا أديبًا ظريفًا قدم في "هز القحوف" صنوفا من التراث العربي، من الأشعار والأخبار والطرائف والنوادر.
اقرأ أيضاً
- دعاء يوم عرفة للأبناء .. بركات السموات والأرض تتنزل فيه
- الصحة: انتقال عدوى فيروس HPV عن طريق إزالة الشعر بالليزر غير صحيح
- محامي طبيب الساحل يكشف مفاجآت جديدة .. الأمن الوطني وقضية أموال عامة
- توجيه عاجل من رئيس الوزراء خلال عيد الأضحى المبارك.. تعرف عليه
- ”التعبئة والإحصاء”: 4000 مولود يوميا خلال الــ 30 يوما الماضية
- التحقيق مع اليوتيوبر شادي سرور بتهمة إصابة 3 أشخاص في الغردقة
- استدرجوه بـ ليلة حمرا .. تفاصيل محاكمة المتهمين بالتخلص من طبيب التجمع
- وزير الأوقاف: الأضحية سُنة للمستطيع ولا تجزئ إلا بالإبل والأبقار والغنم
- غداً .. مبادرة ”أنت مش لوحدك” بمركز رامتان الثقافي في محطتها الخامسة
- هنا جودة: قدمت خطاب لـ اتحاد تنس الطاولة ولم أتلقى رد
- ماذا يحدث عند وضع زيت جوز الهند على الرموش؟.. وصفة مبهرة
- ”ظالم وعاق لأبيه”.. والد حسام حبيب يهاجم ابنه بكلمات صادمة
كما تعمق الريف المصري وصوره بسخرية لاذعة منتقدًا حياة الفلاح المصري البائس، وقد عانى من "السخرة" و "المهانة" والدَّين والفقر، ولم يهنأ بالعيش لمطالبته بالمال المفروض عليه من نظام الحكم العثماني ممثلاً في "الباشا" و "الكاشف" و "الملتزم" وغيرهم ممن أهملوا شئون الفلاح، ولم يهتموا إلا بفرض الضرائب، وجمع الجباية، وتكليف الفلاح الفقير بما لا يطيقه.
وقد ركز التحليل على طرائق المفارقة في الهزل والسخرية في تناول "الشربيني" الساخر للفلاح، والصورة المهينة التي كان عليها.
ورأينا كثيرًا من الآراء التي انتقدت "الشربيني" لقسوته على الفلاح والتشنيع عليه. لكنا رأينا أن السخرية في مفهومها المنهجي انتصار للضعيف، واستعانة بالهزل على الجد.
والشخصية المصرية تعلو على الاحتلال والظلم الذي وقع عليها في العصور القديمة والوسيطة والحديثة بفلسفة الضحك والفكاهة والسخرية من كل صور القهر والظلم والبغي والعدوان والظلام.
فالنكتة سلاح مقاومة يجابه المصريون به مصائبهم بإيمان عميق بالدين، وحب أصيل للدنيا بقناعة وبساطة وروح مرحة.
ونتناول "هز القحوف" في عاميته وإسرافه في العبث بتعبير عن تردي أحوال الريف المصري، والفلاح الذي هو عماد المجتمع المصري، ومصدر الدخل الوحيد في عصر "هز القحوف" وصانع الحضارة لكل العصور، لتتبين المفارقة في الفرق بين حال الفلاح المصري في ذلك العصر العثماني، من سخرة وفقر ومهانة، وبين ما يجب أن يكون عليه صانعًا للحضارة منذ أقدم التاريخ.
وتتصل "المفارقة" "irony" بالتورية، وهي عماد الأدب المصري، ويعد كتاب "هز القحوف" نصًا مهمًا في دراسة الأدب الساخر، ومفارقاته وتورياته المتأصلة في التراث المصري تعبيرًا عن الطبيعة الخاصة بالشخصية المصرية، والثقافة الشعبية المرتبطة بها.
و "هز القحوف" حافل بالتناص مع الكثير من الأدب الشعبي المصري كالأغنية الشعبية والمثل الشعبي والشعر والأدب العامي مثل الأزجال والمواليا.
كما طاف "هز القحوف" بروائع التراث العربي وتفاعل معها، وتناص بالشعراء العرب، وتأثر بالمصادر الغنية بالحكايات والنوادر والأشعار مثل "ألف ليلة وليلة". كذلك انعكست الروح الدينية في الكتاب، خاصة ما يتعلق بالتصوف، وكان العصر العثماني حافلا بأعلامه وتراثهم.
ومعجم الريف والفلاح في "هز القحوف" منقسم بين ما كان مستخدمًا من لهجة الريف وبين ما اخترعه "الشربيني" على طريق الهزل.
وهذا المعجم مهم جدًا للتعرف على الثقافة المصرية بجوانبها الاجتماعية التي تلقي الضوء على جانب مجهول من حياة المصريين في ذلك العصر، وما تبعها من تفكير خاص لأصحابها في الريف المصري.
وقد أطلعنا "هز القحوف" على طريقة الفلاحين في حياتهم من خلال عاداتهم وتقاليدهم وطعامهم البسيط الفقير مثل المش والجبن والكشك والبيسار (البصارة) والبصل، وغير ذلك، وارتباطهم بالأرض والحيوان كالبقر والجاموس، والاعتماد عليه في الزراعة والطعام والتجارة.
كذلك أطلعنا "هز القحوف" على أفراح الفلاحين وأتراحهم ومفهومهم لما يحيط بهم من قضايا الحياة والفلاحة، وكذلك صورة المرأة والطفل في ذلك المجتمع، والتندر بغرابة أسمائهم وطرافة حكاياتهم.
وفي "هز القحوف" صور كثيرة من التراث الريفي في عصره من غناء وألعاب شعبية في المناسبات المختلفة مثل الموالد.
وتجلت الاعتقادات الشائعة في الريف المصري عبر تصوير إكبارهم للمتصوفة وكراماتهم، كذلك ما اعتقدوه من تأثير السحر والشعوذة، وغير ذلك.
ومن أهم ما صوره "هز القحوف" من حياة الريف خوف الفلاح من السلطة الظالمة، وهلعه من نزول جامعي الضرائب، أو طالبي السخرة، واستغراقه الشديد في التفكير في ذلك، وانشغاله به عما سواه.
وقد تناول كتابنا الجزء الأول من "هز القحوف" بالتحليل والنقد في إطار قصد الشربيني، وتناوله الساخر للأحوال المتردية للريف المصري، وما أصاب الفلاح المصري من نكبات في العصر العثماني.
ولا يخلو هز القحوف من نظرات أدبية وفلسفية عميقة مع هزله، ذلك لثقافة مؤلفه، وحرصه على إمتاع المتلقي وإفادته. واعتمد "الشربيني" المفارقة بين هزل المحتوى في "هز القحوف" وبين اصطناع الجد في شرحه أدبيًا ولغويًا.
والجزء الثاني من "هز القحوف" وهو الخاص بقصيدة "أبي شادوف" وشرحها متصل بالجزء الأول.
والقصيدة سبعة وأربعون بيتًا حافلة بالسخرية من صاحبها المزعوم أبي شادوف، وما أسقطه مخترعه الشربيني عليه من "سخام" ونقد جعله مثلا سيئًا للفلاح المصري.
ويخترع "الشربيني" كل ما يتعلق من معالم الشخصية الخاصة بأبي شادوف، مولده، وقريته وأبيه وعمله، وخلفه لأبيه شيخًا للقرية، وانتعاش أحواله، وسوء منقلبه إلى الفقر والبؤس والشقاء في زراعة الأرض.
ويتعمق الناظم / الشارح في كثير من الجوانب المتعلقة بأبي شادوف مثالا لكل فلاح مصري في عصره على نحو ما صوره من فقر وجهل وتخلف.
كما يشرح ما يتعلق بأدوات الزراعة كالشادوف، وما يتصل بطعام أهل الريف وملابسهم وعاداتهم وتراثهم واحتفالاتهم وطرائق تسلياتهم .
ونشعر – مع هز القحوف – أننا نعايش الفلاح المصري في الحقل وزريبة البهائم وحظيرة الطيور. ونرى معه حلب اللبن، وخبز العيش، وتفاصيل حياته اليومية.
ولعلِّي أضيف شيئًا بدراستي هذه لكتاب "هز القحوف" راجيا أن تنال ذخائر الأدب المصري ما تستحقه من اهتمام لما تقدمه من إضاءات تكشف عن جوانب كثيرة مجهولة من ذلك التراث الخالد.