وديان الشهري | كاتبة سعودية ترجمت أحلام المرأة إلى كلمات مبدعة
أنا حوايصف كثير من النقاد المرأة المبدعة بأنها كالفراشة التي تحلق بفضاءاتها وغموضها وسكونها ورقتها وشدتها وحنانها لتصبح مصدرًا للحكاية والرواية، وباعثًا للأحلام الجميلة التي تزيل الركام عن النفوس المرهقة.
وإذا كان كثير من الكتّاب الرجال يتحدثون عن طقوس خاصة وضرورية للإبداع، والتي لا يتأتى لهم الإلهام إلا بها، فالأمر يختلف مع إبداعات حواء، فهي قادرة على العطاء والتعبير عن الساكن في قلبها أو العابر في أحلامها، رغم كل المسؤوليات الحياتية التي تضطلع بها.
ولعل الكاتبة السعودية الشابة وديان الشهري نموذج على ذلك، فهي تكتب، وفي الوقت ذاته تنشط على مواقع التواصل الاجتماعي خاصة سناب شات وتيك توك، متفاعلة مع الشباب، ومطورة لأفكارهم لاسيما أنها درست الإدارة في الجامعة الأمريكية، إضافة إلى مسؤولياتها الحياتية.
والمتتبع لوديان الشهري خاصة من خلال كتابها الأول "زمرة أبيلية" يجد أن كتاباتها بعيدة عن التنميط أو القولبة، فلا يمكن تصنيف إبداعاتها ضمن إطار الكتابات التي تناصب الرجل العداء، لكنها ومن خلال 124 مقطعًا نثريًا ضمها الكتاب مشغولة بترجمة أحلام بنات جنسها، والتعبير عنها بنصوص تنفذ إلى القلوب، وصور إبداعية تجعل القارئ في قلب الحدث.
لا تلقي وديان الشهري بالا لأي انتقادات تسعى خلف إبداعاتها، فهي تدرك الفارق بين النقد البنَّاء، والنقد الذي تحركه دوافع شخصية، مكتفية بشغل نفسها بإشعال الضوء في الجانب المظلم من قلوب الحالات التي تكتب عنهن، وترجمة مشاعرهن التي لطالما تنكَّر لها كثيرون، فيشعر القارئ وكأنه يعيش واقعًا جديدًا ملهمًا يتحدى الضبابية والإخفاقات.
وتستمر وديان الشهري في استقراء الواقع الحياتي ليس فقط من خلال تعاملها مع بنات جيلها، ولا حتى في محيطها الأسري والمهني، فهي أيضًا حريصة على توسيع المشهد واستقراء نماذج مغايرة تستعين فيها في أعمالها الجديدة، وذلك من خلال التفاعل الواسع الذي تحظى به المقاطع التفاعلية التي تنشرها على منصات التواصل الاجتماعي، وتشهد نقاشات بنّاءة.
كتاب زمرة أبيلية
وكتبت وديان الشهري عن النساء من خلال كتابها (زمرة أبيلية) الذي نشر عام 2017 عن الدار العربية للعلوم ناشرون رسائل شفافة عن فتيات لا يمكنهن التعبير عن ذواتهن، هناك من يجدها متحاملة في بعض كتاباتها ضد الرجل، وهناك من يراها فقط مدافعة ومعبرة عن بنات جيلها، فيمكن وصفها بأنها أنثى حاولت في كتابها الأول أن تعزف الحروف لكي يصل إحساسها إلى القارئ بما لا تستطيع كثير من بنات جنسها البوح به.
تصف ممارسة المرأة للكتابة بأنها فعل خلاص وهروب من العادات والتقاليد، وبأنها تفجير للمخفي في عوالم حواء، فالمرأة من خلال مختلف أشكال كتاباتها تستدعي المتراكم عبر الزمن لتسجله في كتاباتها، والتي غالبًا ما تحمل سهام النقد للرجل.
ويزخر المجتمع السعودي بعشرات الكاتبات اللواتي أثبتن قدرتهن على الإبداع والتعبير عن عوالم حواء، كما أثبتن قدرة المبدعة السعودية على أن تتميز دون أن تتخلى عن ثوابت مجتمعها، وهذا ما يتجسد في الكاتبة والمذيعة السعودية الشابة وديان الشهري.
من يقرأ وديان الشهري في "زمرة أبيلية" يمكنه أن يكتشف مساحة الجرح والفراق التي تتعرض لها الأنثى العربية على وجه الخصوص، كما يكتشف ماهية "الخسران"، الدال على غياب الرجل عن حياة المرأة؛ فتشعر بخسارتها، وهي هنا لا تتحدث عن تجربة شخصية مرت بها، بل تجارب لكثير من بنات جنسها، سواء ممن التقت بهن في حياتها الخاصة أو من خلال عملها كمذيعة.