صفوت عمران يكتب: الضاحك الباكي «المفترى عليه»
أنا حواخلال الأيام الماضية لفت انتباهي هجوم البعض على مسلسل «الضاحك الباكي» للمخرج المخضرم محمد فاضل والذي يحكي قصة حياة «الفنان نجيب الريحاني».. أحد أهم صناع الكوميديا في الفن المصري على مدار تاريخه، هذا الهجوم مع الحلقات الأولى للمسلسل دفعني لمشاهدته .. ومع الوصول للحلقة 25 .. قلت أكتب هذه الشهادة بوصفي أحد محبي الفنون ومتذوقيها.
1- يخطئ بعض نقاد الفن عموماً عندما يتوهمون .. أنه «لا نقد دون الإشارة إلى مواطن ضعف»، وإن الإشادة بعمل ما ليست نقداً، وبصراحة تلك مدرسة نقدية ضيقة وقاصرة، مدرسة تجعل الناقد متربص أكثر من كونه منصف، وهي خطيئة يقع فيها الكثير من النقاد .. بينما النقد هو تناول العمل الفني بكل جوانبه من غير تبرص ودون مجاملة.
2- ليس منطقياً .. أن نصدر حكماً على مسلسل درامي قد يصل إلى 30 حلقة عقب مشاهدة أولى حلقاته، لذا يجب أن ينتظر الناقد لمشاهدة العمل كاملاً أو على الأقل أغلبه حتى تتكون لدية رؤية منصفة.
3- انتقد البعض استعانة المخرج المخضرم صاحب الخبرة الطويلة بالفنانة فردوس عبدالحميد في دور والدة نجيب الريحاني باعتبار أن الفنانة هي في نفس الوقت زوجة المخرج وهو انتقاد في غير محله فالعبرة هنا بمدى مناسبتها للدور من عدمه، وللحقيقة فردوس عبدالحميد فنانة كبيرة ومتمكنه، ومن رواد مدرسة السهل الممتنع الفنية المبهرة وأدت دورها بإتقان شديد وإقناع كبير جعلها إضافة للعمل بقدر لا يقل عن إضافة العمل لها، وهذا الأداء زاد من قدر محمد فاضل المخرج لأنه نجح في اختيار ممثلة مناسبة جداً للدور دون اعتبارات أخرى.
4- انتقد البعض تأدية فردوس عبدالحميد لـ«دور أم نجيب الريحاني وهو في مرحلة الطفولة»، وهو تبرص أكثر من كونه نقد .. خاصة أن ذلك فنياً .. حدث ويحدث على مدار تاريخ السينما والمسرح والدراما، وواقعيا يمكن لسيدة تجاوزت الأربعين من عمرها أن تنجب، وبالتالي هذا أمر متاح ومباح جداً، وسبق أن شاهدناه في الكثير من الأعمال الفنية في مصر.
5- محمد فاضل نجح مجدداً أن يقدم نفسه كـ«أحد اسطوات الإخراج الدرامي في مصر» .. صورة ثرية، كادرات معبرة، تنوع وعمق في المشاهد، تحكم كامل في خيوط الدراما، تصاعد منطقي وممتع للأحداث، إستخدام مميز لجميع الفنانين سواء اصحاب الأدوار الرئيسة أو الثانوية وصولاً للمجاميع، في بطولة جماعية كل ممثل فيها بطل في دوره وإضافة للعمل الفني، كما استطاع نقل المجتمع المصري بكل تنوعاته بدون مبالغة ومن غير إهمال لادق التفاصيل التي جعلتنا أمام لوحة فنية مميزة وفق إمكانيات إنتاجية متوسطة، فأصبح ما نشاهده داخل العمل الفني متوافق تماما مع العنوان الثانوي للمسلسل: «عن سيرة فنان ومسيرة أمة».
6- محمد الغيطي تتفق أو تختلف معه، نجح أن يقدم قصة حياة نجيب الريحاني الإنسان بشكل موفق جداً، انتصر لإظهار الوجه الإنساني لـ«نجيب الريحاني» بعيداً عن مسلسلات السير الذاتية التي تعظم أصحابها، فقد قدمه شخصية من لحم ودم، تصيب وتخطئ، ونجع في تقديم عمل درامي ثري بالشخصيات والأحداث مع إسقاط على الظرف الزمني والتاريخي الذي عاشه الريحاني في جميع مراحل حياته.
7- عمرو عبدالجليل وفق في إختيار البطولة والدور الاول من خلال «بطولة جماعية» لذا ساهم كل الممثلين حوله في نجاحه ونجاح العمل، واعتقد أن إرتفاع نسبة مشاهدة المسلسل بسبب أننا أمام بطولة جماعية ثرية وليست اعمال البطل المطلق، فـ«كل حلقة مباراة فنية مميزة بين جميع الفنانين»، ويحسب له أنه قدم نجيب الريحاني دون إغراق في تقمص الشكل الخارجي، بل أعتمد على إظهار روح الشخصية ومكنوناتها، لذا حب الجمهور نجيب الريحاني وتفاعل معه.
8- ولأن شخصيات العمل تتجاوز الـ 100 شخصية، فقد عجبني أن كل ممثل كان بطل في دوره، وهذا نتيجة عمل مخرج مبدع وفنانين أصحاب مواهب حقيقية تم توظيفهم في الأدوار المناسبة تماماً، ولقد أجاد الفنانين جميعاً خاصة من قاموا بأدوار أشقاء الريحاني وبنت عمته، وزملائه في رحلة كفاحة علاوة على باقي الفنانين وحتى لا أذكر اسم وانسى غيره .. أدعوا الجميع لمشاهدة مسلسل «الضاحك الباكي» عن قصة حياة الفنان الكبير «نجيب الريحاني» في عمل من تأليف محمد الغيطي وإخراج المبدع محمد فاضل .. سيجد نفسه أمام مجموعة من الفنانين أثبتوا أن مصر غنية باولادها المبدعين.. وأتوقع أن الكثير من هؤلاء سيكونوا أرقام فنية مميز في الدراما والسينما خلال السنوات القادمة، فقد نجح محمد فاضل في جعل العمل عبارة أن "استوديو ممثل لاكتشاف عشرات من الفنانين سواء اصحاب سنوات الخبرة أو الوجوه الشابه، وقدمهم جميعاً هدية لـ«الفن المصري» .. وهدية لـ«صناع الفن في مصر».