”كن حقيقياً”.. تطبيق جديد يهدد عرش ”تيك توك” و”إنستجرام”
أنا حوايبدو اسم التطبيق "كن حقيقيا" (BeReal)! وكأنه نداء استغاثة تطلقه خوارزميات الشبكة العنكبوتية علّه يخترق آذان مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي ومدمنيها، لكن تلك العبارة هي في الواقع اسم تطبيق جديد يطمح لأن يكون عكس كل المنصات الرائجة.
تأسيس التطبيق
تأسس تطبيق "BeReal" - وترجمتُها الحرفية "كن حقيقياً" - في نهاية عام 2019 في باريس، على أيدي رائدَي أعمال فرنسيَّين، تزامن ذلك مع بدء انتشار جائحة "كورونا"، والتزام الناس منازلهم، حيث انشغلوا بمنصات كانت رائجة أصلاً، مثل "إنستجرام" و"تيك توك" و"نتفليكس"، إضافةً إلى منصات أبصرت النور على هامش الجائحة، مثل "كلوب هاوس".
وكان على تطبيق "BeReal" أن ينتظر أكثر من سنتَين، حتى يخترق زحمة المنصات ويتصدّر المرتبة الأولى على متجر "أبل ستور" للتطبيقات الإلكترونية، بين يوليو وسبتمبر 2022.
ما هو "BeReal"؟
بمجرّد تحميل التطبيق، يصبح المستخدم جزءً من مجتمع "BeReal" الضيّق إلى حدٍّ ما، فهو لا يجمعه مبدئياً سوى بأصدقائه المقرّبين، وكأنه يستبدل جلسة حميمة بينهم بلقاء سريع عبر الهاتف الذكي.
وتنص قواعد اللعبة على تلقّي إشعار مرةً واحدة كل يوم، يرسله التطبيق في اللحظة ذاتها إلى كل متابعيه، ويدعوهم من خلاله إلى التقاط صورة "سيلفي" لأنفسهم، فيما تتكفّل العدسة بالتقاط صورة ثانية لما هو أمامهم مباشرةً، ويجب أن يحصل ذلك في دقيقتَين لا أكثر، لا وقت أمام المستخدم - إذاً - كي يرتّب هندامه، أو كي يختار الديكور المحيط به، الأهم من ذلك كله، أن "BeReal" خالٍ تماماً من خاصية "الفلتر"، أو تعديل الصور، وهنا يكمن لبّ الفكرة: اظهرْ على حقيقتك، عفوياً كما أنت، متخففاً من كل ما يجمّلك أو يُلبسك أقنعة.
ويأتي الإشعار في أي لحظة من اليوم: "حان الوقت لتكون حقيقياً. لديك دقيقتان لتلتقط صورة وترى ما يفعله أصدقاؤك"، قد تباغت الرسالة المستخدم في وقت لا يتوقعه من الصباح الباكر، أو في ساعات متقدّمة من الليل، أما الذي لا يلتقط الصورة وينشرها خلال الدقيقتين المتاحتَين، فباستطاعته أن يفعل ذلك لاحقاً، إلا أن أصدقاءه المتابعين يتلقّون رسالة بأنه لم يلتزم بالتوقيت المفروض.
وتعيش الصورة يوماً، إلى أن يصل إشعارٌ آخر في اليوم التالي ليمحوها، وتُعاد الكرّة من جديد، وتبدو العملية سهلة وبسيطة، إلا أنها تنطوي على أهداف واضحة ومهمة؛ إذ تخترق "BeReal" المشهديّة الافتراضية، في توقيت يغرق فيه روّاد صفحات التواصل الاجتماعي وسط أمواجٍ عاتية من التصنّع، واللهاث خلف الأرقام والمشاهدات والانتشار.
شعبية التطبيق
لا ينصّب التطبيق نفسه منافساً لأي منصةٍ أخرى، غير أن شعبيته المتصاعدة توحي بأن الناس ملّوا من الزيف الطاغي على عالم شبكات التواصل، العفوية والطبيعة هما السيف الذي يواجه به "BeReal" ملايين الفلاتر التي تجعل كل وجه يبدو أجمل، لكنه سيفٌ ذو حدّين: فهل الجميع جاهز للتخلّي عن أساليب الجمال المزيّف التي توفّرها منصات كـ"إنستجرام" و"تيك توك" مثلاً؟ وإذا كان جزء من المتابعين جريئاً بما يكفي للظهور على حقيقته، ومن دون "روتوش" للعينين أو للبشرة أو للخصر، فهل المشاهير و"المؤثرون" مستعدون لفعل ذلك، وبوتيرة يومية؟.
تطبيق قابل للاستمرارية؟
حسب الأرقام المتداولة، تم تحميل تطبيق "BeReal" أكثر من 53 مليون مرة حول العالم حتى اللحظة، وحدَهما شهرا سبتمبر وأكتوبر راكَما 25 مليون تحميل. لا اشتراكات مطلوبة، ولا إعلانات تُزعج المستخدمين، كما يحصل أخيراً على المنصات الأخرى.
ويكتفي القائمون على "BeReal" بالتمويل والاستثمارات التي بلغت 30 مليون دولار كمرحلة أولى، وسط توقّعات بأن ترتفع قيمة المنصة إلى 600 مليون إذا استمرّ النموّ على هذا المنوال، غير أن النموّ وتحدّي الاستمرارية دونهما عقبات تبدأ بجذب مزيد من المتابعين، ولا تنتهي بإدخال تحديثات إلى التطبيق قد تجرفه إلى حيث لا يريد على مستوى الفكرة والهدف.
وحتى الآن، يصرّ مؤسِّسا "BeReal" ومديرو المنصة، على عدم اتّخاذ أي خطوة قد تكلّفهم خسائر فادحة، كما حصل مع فيسبوك وسناب شات، يحافظون على فريقٍ صغير (نحو 130 موظفاً) يركّز كل اهتمامه على تطوير المنتَج. في المقابل، يحثّهم المستثمرون على إدخال تحديثات وخاصيات جديدة تحول دون مصيرٍ مشابه لمصير «كلوب هاوس» الذي لم يعمّر.
ومن الصعب إطلاق توقّعات حول استمرارية التطبيق، لكن رقم المستخدمين النشطين يشكّل مؤشراً مثيراً للريبة. هم 10 ملايين من أصل 53 مليوناً، أي أقل من خُمس العدد الإجماليّ... إلا أن ذلك لم يحُل دون تَنبّه كلٍ من تيك توك وإنستغرام إلى الثورة التي أحدثَها BeReal، فها إنّ المنصتين تختبران خاصياتٍ مشابهة لما يقدّم. تسعيان إلى محتوىً أكثر حقيقيةً، بعد سنواتٍ طال خلالها "حُكم الفلتر".