محمود حسن يكتب: مأساة التربية والتعليم
أنا حوالقد تعرض الإنسان المصري منذ أواخر القرن الماضي لزلزلة عنيفة وضربة على أم رأسه جعلته يفقد بعضا من توازنه وبضعا من قدراته فأمسى كالذي يتخبطه الشيطان من المس .
ولا شك ان في ذلك شبهة جنائية ما بين فاعل ومحرض .
وقد إستهدفت تلك الجريمة الشنعاء أهم ما يميز الإنسان المصري عبر تاريخه السحيق - إستهدفت فكره الرفيع وثقافته العريقة .
إذ أنها فطنت أن سر قوته وعظمته تكمن في ثقافته وموروثاته الفكرية . فأمعنت تلك القوى التخريبية بمعاونيها وعملائها في تجريف عقله وتسطيح فكره من خلال وسائل مختلفة وخطوات محددة أولها وأهمها ضرب التعليم في مقتل منذ أكثر من أربعة عقود .
فتقلصت ميزانيته وهدمت أبنيته وتهالكت أدواته وأهدرت وسائله وأهين ما تبقى من رجاله . والهدف صناعة جيل آخر شبه متعلم وشبه مثقف وهو اخطر من الأمي والجاهل .
فاتجهت لتفريغ عقله لتزرع فيه ما يمكنها من تنفيذ ما تهوى . ذلك لأن تلك القوى المغرضة تعلم جيدا أنه حينما يسود الجهل ويتدنى مستوى الذوق والفن الراقي – يصبح المناخ ملائما لإنتشار التطرف الفكري والتطبيقي . وتنتشر الفتن وتتناثر الإنبعاثات الضارة في كافة المجالات.
فطفى على السطح عديم الوزن والقيمة وسقط في القاع الذهب والماس . وأنبتت القيعان أشباه وأنصاف الرجال. فظهر المعلم الجاهل ‘ الإعلامي الفاسد ‘ الصحفي المتخلف ‘ المطرب المسف ‘ الفنان الغث ‘ الشاعر المبتذل ‘ الكاتب الركيك ‘ المؤلف السطحي ‘ الرياضي سليط اللسان ‘ الأغاني السافرة ' السينما الساقطة ‘ الدراما الهابطة ‘ المسرح الماجن ، الشيخ المادي ‘ الفقيه الجاهل ‘ الخطيب المتفيهق ‘ الطبيب التاجر ‘ ‘ المهندس المجرم ‘ المقاول الجشع ‘ الضابط المتجاوز ‘ القاضي الجائر ‘ المحامي الضال ...والمواطن المقتدي بكل هؤلاء والمنساق ورائهم ككمية متجهة.
فكثر التطاول وانتشرت الفتن والبذاءة والغش والرشوة والتعدي والتحرش والجريمة وضمور القيم والتطاول والطلاق ودمار الأسرة و الكثير من الأمراض الإجتماعية المهلكة. واختلط الحابل بالنابل ووليت الأمور لغير أهلها . في خطة محكمة للإجهاز على الهوية المصرية بضربة قاضية مضمونة النتائج ‘ مجربة الخطوات مع الكثير من الأمم التي تم القضاء عليها تماما حينما تعرضت لمثل هذه التجربة الخبيثة.
ولكن المعدن المصري النفيس الذي ربما يخدش ولكنه غير قابل للكسر صاحب الجذور الطاعنة في عمق الزمن كشجرة أصلها ثابت وفرعها في السماء سوف يتمايل قليلا من عنف الضربة ولكنه سرعان ما سوف يتماثل ويتماسك ويستعيد توازنه ويصنع من كبوته وقفة ومن ضعفه قوة وسينفض ما علق على ثوبه وما أصاب بدنه .
ذلك لأن خلايا الجسد المصري قادرة على تجديد ما تلف بها وإعادة بناء ما تساقط منها. فتلك فطرته التي فطره الله عليها .
ولكن *
تلك الطبيعة الخاصه للإنسان المصري لابد أن تحاط بسياج من الوعي وإزالة العوائق والعوالق والعقبات التي أثقلت كاهله ' وخلق القدوة الحسنة والمثل الأعلى والقيادة الأمينة التي تحمي هذا الكيان الأصيل من العبث في هويته الأصيلة وطبيعته النقية إبتداءا من التربية السليمة والتعليم الأمين في المنزل والمدرسة والنادي والجامعة والجامع والكنيسة والشارع .
فالتعليم هو مصنع الإنسان ' ومنتجاته هي النسيج الوطني الذي تتألف منه كل فئات الشعب المختلفة .
وقد فطن إلى هذا كثير من الحكام الذين أرادوا تنمية حقيقة لشعوبهم فأولوا التعليم أهمية خاصة وأولوية عظمى فخصصوا معظم ميزانية الدولة للتعليم فصنعوا تقدما ومجدا مذهلا ، فبناء البشر أولى وأهم من بناء الحجر.
فلا قيمة للفطرة الأصيلة بدون تربية رشيدة وتعليم سليم . وأكرر ،
التربية الرشيدة . التعليم السليم .