محمود حسن يكتب: القلب والعقل
أنا حواكثيرا ما تتردد جملة " أنا عقلي هو من يتحكم في مشاعري وليس قلبي "
إلى أن أصبحت قاعدة دارجة من المسلمات دون وعي أو تفكير في منطقية الجملة.
وعلينا أولا التفكير في ماهية كل كلمة منهما للوقوف على معناها الحقيقي ، وهل هما متناقضين أم مترادفين أم متقابلين أم متطابقين ، وهل يمكن الفصل بينهما فعلا ؟
وهل العقل يكمن في المخ العضوي المكون من فصوص المخ والمخيخ وجذع الدماغ داخل جمجمة الرأس ؟
وهل القلب هو تلك العضلة التي تضخ الدم ومكونة من اذين ايمن وأذين أيسر وبطين أيمن وبطين أيسر وعدة اوردة وشرايين ؟
وهل هناك علاقة بين هذين العضوين وبين التحكم في المشاعر والأحاسيس والحب والكره وإتخاذ القرار وغيرهم ؟
وما هو رأي العلم ، ورأي الدين في كل منهما ؟
علينا أن نفصل أولا ما بين كلمة قلب وبين العضلة التي أطلق عليها إسم " القلب "
فقد أكد العلم أن عضلة القلب لا علاقة لها بالمشاعر والأحاسيس على الإطلاق ، وأنه حينما يرتجف أو ينبض بأسرع من معدله الطبيعي أو تزداد دقاته ، فإن ذلك نتيجة إشارات من المخ إلى القلب ، والتي تلقاها بدوره من الحواس المختلفة كالعين و الأذن والاطراف التي رأت او سمعت أو لمست أو بطشت أو وطئت ، فيستقبل القلب تلك الإشارلت الواردة من المخ ليضخ المزيد من الدم لمواجهة الأمر الطارئ، وهذا هو ما يربط علميا بين المخ والقلب، والعقل يكمن في المخ وهو المسؤول عن أكثر العمليات العقلية والحسية تعقيدا ، مثل الذكاء، والمنطق، والذاكرة، والعواطف، والرؤية، والقدرة على الشعور، إذن علميا العواطف والمشاعر تأتي من العقل فقط ولا علاقة لها بالقلب كعضلة، أما من ناحية الدين فقد ذكر القرآن العقل وذكر أيضا القلب ، وربط بينهما برباط وثيق ، فقال تعالى " أفلم يسيروا في الأرض فتكون لهم قلوب يعقلون بها " وقال: " ولقد ذرأنا لجهنم كثيرا من الجن والإنس لهم قلوب لا يفقهون بها "
وذكر القلب منفصلا عن العقل فقال " يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم "
وقال " فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور "
وذكر العقل ومرادفاته منفصلا فقال " لقوم يعقلون " يتفكرون ، يتدبرون ، لأولي الألباب ، لأولي النهى "
وللعقول أسماء كثيرة مثل اللألباب، النهى ، وغيرهما ،
وللقلب أسم آخر وهو الفؤاد ،
والقلب يطمئن ويقسو ويمرض ، ويربط فقال تعالى " ولتطمئن قلوبهم " قست قلوبهم " في قلوبهم مرض " ربطنا على قلبها "
وفي السنة النبوية ذكر القلب كثيرا ، نذكر على سبيل المثال " المرء بأصغرية قلبه ولسانه "
" ألا وإن في الجسد مضغة لو صلحت لصلح الجسد كله ولو فسدت لفسد الجسد كله " والفساد هنا هو فساد معنوي للضمير والسلوك ، وإلا ظلم مريض القلب المصاب بمرض عضوي عضال ،
وهذا يؤكد قولنا بأن القلب هو امرا حسيا وليس عضويا من كل ما سبق نخلص بنتائج واضحة المعالم وهي أن القلب او العقل او الإثنين معا ليس لهما علاقة بعضو بعينه كالمخ الذي في الرأس او القلب الذي في الجهة اليسرى من القفص الصدري ، حتى وإن ذكر ذلك نصا فلا يأخذ بالمعنى الحرفي ، وإنما المعنى الحقيقي للعقل والقلب هما باطن وضمير وبصيرة الإنسان ، وهما كتلة من المكونات المعنوية الحسية من تفكير وعقل ومشاعر وأحاسيس والتي يتكون منها وجدان وعقيدة داخلية للإنسان تمكنه من التصرف والسلوك واتخاذ القرار ، سواء إيجابا أو سلبا ، بتحكم او غير تحكم ، بما ينفع أو يضر ، حسبما صلحت المواد المكونة لذلك سواء مكونات عضوية جسدية أو مكونات حسية كالتربية والتعلم، إذن ظلمت تلك العضلة المسكينة التي لسوء حظها أطلق عليها إسم القلب ووجهت إليها إتهامات كثيرة وهي منها براء، وعلق الكثير تسرعه، وسوء تصرفه ، وضعف إداركه على شماعة القلب ، فتجد من يقول أنني أحببت بقلبي وفشلت فقررت أن أحب بعقلي، فيزيد " الطينة بلة " لأنه قرر أن يتحول من أبله إلى مادي يؤمن بالحسابات والأرقام ويقحمها على المشاعر والأحاسيس السامية،يا سادة العاطفة والمشاعر مقرها ومنطلقها من العقل والوعي والإدراك ، أما الخطأ فيرجع لسوء الإختيار والتسرع والحسابات المادية أيضا التي خطئا تسميها بالعقل، لأن ما أصابك من سوء فمن نفسك ، إذن فلا تلومن إلا نفسك.