النقشبندي كروان الإنشاد .. ما هي تفاصيل انشودة مولاي.. وهل فعلا تنبأ بيوم وفاته
أنا حوامن السماء تأتينا أصوات ملائكية حفرت مكانها في ذاكرتنا، وظلت هذه الأصوات تصدح حتى اليوم رغم رحيل معظم أصحابها منذ سنوات طويلة، أصوات خاشعة ترتل القرآن الكريم وتنشد بأرق كلمات المديح، فتحلق بالقلوب إلى أعلى السماء.
ومن أجمل هذه الأصوات صوت الشيخ سيد النقشبندي - أستاذ المداحين، ذلك الصوت الملائكي الرنان الذي يأسر قلب كل من يستمع إليه، خاصة في شهر رمضان الكريم وقبل مدفع الإفطار بالتواشيح والابتهالات الرائعة، وهو واحد من أبرز من ابتهلوا ورتلوا وأنشدوا التواشيح الدينية في القرن الكريم، فكانت تنبع من قلبه قبل حنجرته، وكان ذا قدرة فائقة فيها حتى صار صاحب مدرسة ولقب بالصوت الخاشع والكروان.
الشيخ سيد محمد النقشبندي من مواليد 7 يناير 1920 وهو أستاذ المداحين، وصاحب مدرسة متميزة في الابتهالات وأحد أشهر المنشدين والمبتهلين في تاريخ الإنشاد الديني ويتمتع بصوت يراه الموسيقيون أحد أقوى وأوسع الأصوات مساحة في تاريخ التسجيلات، وصوته الأخاذ والقوي والمتميز طالما هز المشاعر والوجدان، وكان أحد أهم ملامح شهر رمضان المعظم، حيث يصافح آذان الملايين وقلوبهم خلال فترة الإفطار بأحلى الابتهالات التي كانت تنبع من قلبه قبل حنجرته فتسمو معه مشاعر المسلمين، وتجعلهم يرددون بخشوع الشيخ سيد النقشبندي.
هو واحد من أبرز من ابتهلوا ورتلوا وأنشدوا التواشيح الدينية في القرن، وقالوا عنه كان ذا قدرة فائقة في الابتهالات والمدائح حتى صار صاحب مدرسة، ولقب بالصوت الخاشع، والكروان.
بدايته حينما دعي لإحياء ليلة في قرية كوم بدر بمركز طهطا فكانت هذه الليلة أول درجات الشهرة؛ حيث أبهر كل الموجودين بجمال وروعة وقوة صوته، وبدأت الدعوات تنهال عليه لإحياء ليال أخرى في كل محافظات مصر.
وبعدها ذاعت شهرته في مصر والدول العربية، فسافر إلى حلب وحماة ودمشق لإحياء الليالي الدينية بدعوة من الرئيس السوري حافظ الأسد، كما زار السعودية وأبوظبي والأردن وإيران واليمن وإندونيسيا والمغرب العربي ودول الخليج ومعظم الدول الإفريقية والآسيوية.
وفي عام 1966 كان الشيخ سيد النقشبندي بمسجد الحسين بـالقاهرة والتقى مصادفة بالإذاعي أحمد فراج فسجل معه بعض التسجيلات لبرنامج "في رحاب الله"، وبعد إذاعة الحلقة أصبح النقشبندي حديث الناس في الشارع، وبعدها طلبت منه الإذاعة تقديم أدعية بصوته مدتها 5 دقائق بعد صلاة المغرب كل يوم في شهر رمضان، وهذا ما حدث فقدم الشيخ أروع الأدعية ووصل صوته إلى ملايين المستمعين في الوطن العربي.
مولاي اني ببابك... قد بسطت يدي
هذا الابتهال الديني الأكثر شهرة وأهمية من بين أعمال الشيخ النقشبندي المميزة، والذي يزيدنا إحساسًا بروحانيات شهر رمضان الكريم، كتب كلماته الشاعر عبدالفتاح مصطفى، ولحنه الموسيقار بليغ حمدي في أول تعاون بينه وبين النقشبندي.
[caption id="attachment_27947" align="alignnone" width="300"] النقشبندي مع بليغ حمدي[/caption]
والطريف أن الفضل في هذا التعاون والالتقاء بين العبقريين النقشبندي وبليغ يرجع للرئيس الراحل أنور السادات، الذي بدأت علاقته في وقت مبكر مع النقشبندي، حين كان رئيسًا لمجلس الأمة قبل أن يصبح رئيسًا للجمهورية عن طريق الدكتور محمود جامع أحد أصدقاء السادات المقربين، ولأن السادات كان عاشقًا للإنشاد، فقد كان الإنشاد الديني فقرة أساسية يفتتح بها السادات كل احتفالاته في ميت أبو الكوم قبل توليه الرئاسة، وكان النقشبندي حاضرًا في كل هذه الاحتفالات، وظل الحال هكذا بعد أن أصبح السادات رئيسًا.
قصة ابتهال مولاي كانت طريفة جدا إذ يقول الإذاعي الكبير وجدى الحكيم أنا لسادات قال لبليغ حمدى: "عاوز أسمعك مع النقشبندى"، وكلف الحكيم بفتح استوديو الإذاعة لهما، وعندما سمع النقشبندى ذلك وافق محرجا وتحدث مع الحكيم بعدها قائلا: "ماينفعش أنشد على ألحان بليغ الراقصة"، حيث كان النقشبندى قد تعود على الابتهال بما يعرفه من المقامات الموسيقية، دون وجود لحن، معتقدا أن اللحن سيفسد حالة الخشوع التى تصاحب الابتهال، ولذلك كان رد الشيخ: على آخر الزمن يا وجدى "هاغنى"؟ فى إشارة إلى أن الابتهال الملحن يجعل من الأنشودة الدينية أغنية.
[caption id="attachment_27946" align="alignnone" width="300"] الشيخ النقشبندي مع الرئيس السادات[/caption]
ولأنه إنسان استثنائى كانت قصة وفاته استثنائية ، وكأنه كان يتوقع موته قبل ساعات من انتقاله إلى جوار ربه.
ففى يوم الجمعة الموافق 13 فبراير من عام 1976 كان الشيخ النقشبندى يقرأ القرآن فى صلاة الجمعة بمسجد التلفزيون وأذن للصلاة على الهواء ، وبعد انتهاء الصلاة خرج مسرعا على غير عادته ولم يسافر إلى بيته فى طنطا ، ولكنه ذهب إلى بيت شقيقه بالعباسية ، وفور دخوله طلب ورقة وقلم من شقيقه ، ودخل إلى غرفة وكتب بعض الكلمات ثم طوى الورقة ووضعها فى مظروف وأعطاها لأخيه ، وطلب منه ألا يفتحها إلا وقت اللزوم وانصرف مسرعا إلى منزله بطنطا.
[caption id="attachment_27944" align="alignnone" width="234"] وصية الشيخ النقشبندي التي كتبها بخط يده قبل وفاته[/caption]
فتح أخوه الورقة فوجدها وصية كتبها يوصى فيها بأن يدفن مع والدته فى مقابر الطريقة الخلوتية بالبساتين، كما كتب لا تقيموا لى مأتما ويكفى العزاء والنعى بالجرائد، وأوصى برعاية زوجته وأطفاله
وبعد كتابته بيوم واحد توفي الشيخ النقشبندي في يوم 14 فبراير عام 1976 عن عمر يناهز 55 عاما