سامح عسكر يكتب: المثقف يجب أن يكون وطنيا..لا قوميا
أنا حوا
الوطنية تعني حب الوطن والانتماء له بما يمثله من أهل وعشيرة ومصالح وثقافة وتراث وتاريخ ومجتمع ، إنما القومية تعني تحويل هذه الأمور لنزعة عدوانية تجاه الغير واستثمار الحب والمشاعر المكنونة للوطن في التحشيد السياسي ومصالح القوى النافذة التي تتغذى على هذه الشعارات..
شخصيا لم أعرّف نفسي من قبل أنني قومي..بل أضع أفكاري الوطنية في سياق معرفي شامل ينتمي لمجتمع عالمي يدين له بالتسامح، لذا فالأقرب إلى توجهي – كسامح عسكر – هو الاتجاه (الكوزموبوليتاني) أي مجتمع العالم والانتماء للبشرية أولا ثم الإيمان بحقوق الحيوان والطبيعة..
شخص بهذه الصفات مرغوب بشدة من مجتمع التسامح، ومكروه بشدة أيضا من مجتمع الأيدلوجيا العنيفة خصوصا (الطائفية –والقومية –والشوفينية) لذا فالأكثرية لا تستطيع تصنيفي وكلما وضعتني في صندوق خاص بها يُصدَمون بأفكار تنسف هذا الصندوق، فكتاباتي كلها تصب في هذا الاتجاه ولا تفرق بين البشر على أساس الدين والعرق واللون..عدا فئة مثقفة زاهدة عن حظوظ الدنيا وترغب في المعرفة هي التي تصل روابطها بي لشعورهم بالاطمئنان نحوي، أو لأنهم رأوا في شخصي رجلا مسالما لا يضرهم بل ينفعهم بمعلومة أو تحليل..
عندما انتقلت من الفكر الإخواني للعلمانية لبحثي عن العدالة والمساواه التي فقدناها في مجتمع الإخوان بعد تحوّلهم الوهابي السريع، ولا يدرك البعض أن للعدالة شروط أهمها (الموارد) يعني الاقتصاد الجيد، لذلك مثلما انتقلت وبحثت عن العدالة كنت أكتب في الاقتصاد لتوفير هذا العامل الضروري لأي دولة عادلة، فالدولة الفقيرة ظالمة، والغنية ستكون ظالمة بدون حريات..لذا فأهم شرطين عندي لعدالة الدول هي (الموارد والحريات) كثوابت بعدها تأتي أمور أخرى كفروع مثل التوزيع والمواطنة وحقوق الإنسان..
المثقف لو كان قوميا عدوانيا ضد الغير سيوظف تلك الموارد لإرضاء شهواته ونزعاته الصدامية، ولو كان وطنيا سيوظفها فقط لخدمة شعبه وأمته، والفارق الكبير بين الأمرين أن القومية شعار غضب أكثر منه تسامح، بينما الوطنية العكس أي هي تسامح أكثر منها غضب..والإنسان مطالب بفك الارتباط بين الغضب والتسامح في سيكولوجيته قبل أن يبحث عن منهجيته في الحياه..
الخلاصة: الوطن مهم لاستقلال الإنسان وشعوره بذاته وتفرده، لكن الإيمان به لا يعني أن تؤذي الآخرين..وهنا الحد الفاصل بينه وبين القومية التي ترفع شعارات وتُحيي مبادئ سياسية تاريخية خلقت في أجواء صراع..فعندما يستدعيها يُشعل صراعاته فورا بطريقة تشبه المبادئ التي استدعاها..وقد يكون مثقفا قديرا لكنه لا ينتبه لهذه الخدعة التي انطلت عليه في لحظة غضب..
ومن ذلك فأهم شرط للمثقف..ألا يغضب، والكاتب سريع الغضب ليس بمثقف، وإذا همّ بكتابة أعمالة وهو غاضب يُفسد ويصبح قلمه نقمة على العالم..