محل بدأ بـ10 موظفين وانتهى بـ40 ألفا ويصدر لـ60 دولة بشعار «صنع في مصر»
«شهبندر التجار من 120 قرشا إلى مليار ونصف».. هكذا بنى محمود العربي إمبراطوريته
أنا حوا«محل الأدوات المكتبية اللي كان بيضم أقل من ١٠ عمال، أصبح مجموعة شركات ومصانع بتضم أكتر من ٤٠ ألف عامل ومهندس وإداري بيخططوا ويطورا ويصنعوا بإيدهم منتجات بتتصدر لأكثر من ٦٠ دولة حول العالم تحمل شعار (صنع في مصر)»، هكذا وصف رجل الأعمال المخضرم محمود العربي قصة نجاح شركته «مجموعة العربي» برأسمال يتعدى المليار ونصف المليار.
للعربي باع طويل في عام التجارة والصناعة المصرية، يمتد أكثر من 57 عاما، ورغم أن تاريخ تأسيس شركة يعود إلى 1964 إلى أن جذور قصته ترجع حين كان طفلاً، يصف العربي نفسه بأنه «صاحب قرار»، ولد العربي بقرية أبورقبة أشمون، المنوفية، سنة 1932، ثم جاء إلى القاهرة عام 1942، ليعمل بإحدى المحلات الصغيرة، لكنه اتخذ قرار في عام 1949 بأن يترك ذلك المحل الصغير الذي يبيع فيه بالتجزئة ليعمل في تجارة الجملة، وبعد انضم للجيش، وبعد ذلك مكث في منطقة الموسكي عام 1963 ليعمل في التجارة، لكن بعد انفصاله عن شركائه اتخذ قرار بأن يعمل مع أخوته.
يقص العربي رحلة صعوده في أحد لقاءاته لـ «المصري اليوم»، راوياً أول راتب تقاضاه كان 120 قرشا في الشهر بعد ذلك أصبح على مدار 7 سنين 3 جنيهات و20 قرشا، ثم انتقل لمكان آخر بـ 4 جنيهات، ثم مكث 15 عاما حتى تقاضي 27 جنيها إلى أن أصبح تاجراً.
قراراته لم تقف عند ذلك الحد بل تخطت في أثناء إدارته لعمله، فقرر أن يحصل على توكيل أحدى الشركات الكبري في صناعة الأدوات المنزلة (توشيبا)، وفي عام 1974 سافر العربي لليابان للحصول على توكيل توشيبا وحين رأى المصانع طلب منهم إنشاء مصنع في مصر، على أرض يملكها في طريق مصر-إسكندرية الزراعي، ليوافق اليابانيون، وتم إنشاء أول مصنع للشركة في مصر.
قرارات الراحل لم تكن على المستوى المهني فقط بل شملت المستوى الشخصي فيروى العربي عن رحلته لامتناع عن التدخين قائلاً: «أنا كنت باشرب سجاير 20 سنة من سنة 1954 حتى عام 1974 لكن اقتنعت أن ده غلط وبطلت ومن هذا التاريخ لم اشرب سيجارة ولا جوزة ولا شيشة ولا بايب».
العربي يعطى نبراس أمل للشباب للاجتهاد، فرغم عدم حصوله على الشهادة الابتدائية يقول العربي في آخر حواراته للمصري اليوم: «أنا ما أخدتش الابتدائية.. خرجت من رابعة ابتدائى وكل اللى عملته رحت الكتاب وبعد رابعة ابتدائى بدأت أشتغل واتجهت إلى التجارة ثم إلى الصناعه اللى بتخدم التجارة».
لكن نال العربي التقدير على المستوى الدولي، فحصل العربي نتاج مجهوده على أرفع وسام يابانى (وسام الشمس المشرقة) من الإمبراطور اليابانى أكيهيتو في مايو 2009. لدوره في دعم وتحسين العلاقات الاقتصادية المصرية اليابانية.
ويؤمن الراحل بأهمية الموظف في منظومة العمل حيث له العديد من الأقتباسات تدل على تقديره للموظف يقول في إحداها «مفيش حاجة اسمها واحد بيشتغل عندنا أسمها واحد بيشتغل معانا، الناس دي ربنا سخرهم لينا وسخرنا ليهم».
وتضم مجموعة العربي 40 ألف موظف، وكان يطمح الفقيد أن يصل عدد العاملين إلى 200 ألف إنسان. وبجانب نجاحه الملفت في عام المال والأعمال كان للعربي باع في معترك السياسة، حيث دخل مجلس الشعب بناء على طلب محافظ القاهرة، إلا أنه لم يترشح مجدداً لتفضيله مجال التجارة والصناعة والابتعاد عن مجال السياسة.
صدر لسيرته الشخصية كتاب بعنوان «سر حياتي» سرد مراحل نموه المهني وهو من جذور ريفية وكان والده مزارعًا مستأجرًا يزرع أرضًا ليست ملكه، وقام بإرساله إلى «الكُتَّاب» وهو في سن ثلاث سنوات فتعلم القرآن، ولم يلتحق بالتعليم بسبب ظروف والده الاقتصادية.
بدأ العربي التجارة في سن صغيرة جدا بالتعاون مع أخيه الأكبر، الذي كان يعمل بالقاهرة، وعن تلك الفترة يقول العربي: «كنت أوفر مبلغ 30 أو40 قرشا سنويا أعطيها لأخي لكي يأتي لي ببضاعة من القاهرة قبل عيد الفطر، وكانت هذه البضاعة عبارة عن ألعاب نارية وبالونات، وكنت أفترشها على»المصطبة«أمام منزلنا لأبيعها لأقراني وأكسب فيها حوالي 15 قرشا، وبعد ذلك أعطى كل ما جمعته لأخي ليأتي لي ببضاعة مشابهة في عيد الأضحى، وبقيت على هذا المنوال حتى بلغت العاشرة، حيث أشار أخي على والدي أن أسافر إلى القاهرة للعمل بمصنع روائح وعطور وكان ذلك في عام 1942م، وعملت به لمدة شهر واحد وتركته لأني لا أحب الأماكن المغلقة والعمل الروتيني».
وعصر اليوم أعلن نجله بمحمد محمود العربي، وفاة والده عن عمر يناهز 89 عاما، وكتب ابن الفقيد على صفحته الشخصيه بفيس بوك «إنا لله وإنا إليه راجعون، ننعى بمزيد من الحزن والأسى وفاة الوالد الحاج محمود العربي، والجنازة غدا بعد صلاة الجمعة من مسجد العربي بقرية أبورقبة مركز أشمون بمحافظة المنوفية»، ليسطر بذلك آخر صفحات كفاح «شهبندر التجار» كما يلقب.