د. حياة عبدون تكتب: من الحياة.. سيدنا الخضر و انا !
أنا حوافي مقالي الاول تحدثت معكم كيف ان طوال سنوات عمري و انا اقرا سورة الكهف أتوقف طويلا عند قصة سيدنا موسي و سيدنا الخضر عليه السلام .
هل سيدنا الخضر رسول ام نبي ام ولي ام عالم ام رجل من اهل الخطوة ؟ .. و لماذا جعله الله سبحانه و تعالي أكثر علما من سيدنا موسي و لماذا اختار الله سبحانه وتعالى سيدنا موسي تحديدا من بين جميع الانبياء و الرسل لكي يقابل سيدنا خضر ؟ .
و بعد سنوات من القراءات اجمع رجال الدين ان سيدنا الخضر هو" القدر المتكلم " عن اللوح المحفوظ الذي نولد به جميعا .. واليوم نبدا الرحلة معهما ..فهم ركبا في قارب المساكين و لكن بعد وصولهم خرق الخضر القارب .. فاندهش " موسى " البشري و يقول ﴿ قَالَ أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً إِمْراً ﴾ .. فهو يعاتب القدر ( اليس جميعا نفعل ذلك عندما تحدث لنا اي مشكلة؟ ) ..فهذا رد فعل طبيعي من البشر الذين لا يعلمون شيء عن القدر و عن اللوح المحفوظ... فيرد عليه " الخضر" ( أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً ) .. ألم أقل لك أنك أقل من أن تفهم الأقدار ؟.
ثم يمضيا في الرحلة مرة اخري بعد تعهد جديد من " موسى " بالصبر .. يمضي الرجلان .. ويقوم الخضر الذي وصفه ربنا بالرحمة قبل العلم بقتل الغلام .. ويمضي .. فيزداد غضب " موسى" عليه السلام النبي الذي يأتيه الوحي .. فيعاتب بلهجة أشد .. ﴿ أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُكْرًا ﴾ وهنا نلاحظ ان هذا اللوم صادر عن نبي يوحي إليه.. لكنه بشر مثلنا .. ويعيش نفس حيرتنا .. فيؤكد له " الخضر " مرة أخرى ﴿ أَلَمْ أَقُلْ لَّكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً ﴾ ثم يمضيا بعد تعهد أخير من " موسى" كليم الله بأن يصمت و ان لا يسأل مرة اخري . فيذهبان إلى القرية فيبني " الخضر" الجدار ليحمي كنز اليتامى .. و هنا ينفجر " موسى " .. فيجيبه " الخضر " الذي سخره ربه ليحكي لنا قبل موسى أنواع القدر و حكمته ﴿ قَالَ هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْرا ً﴾* هنا تتجلى حكمة خالقك سبحانه و تعالي و التي لن تفهمها بمفهومنا كبشر حتي يوم القيامة . لأننا لا نرى الصور الكاملة .. و لكن " سيدنا الخضر " يشرح لنا انواع القدر الثلاثة .. الاول ، شرا تراه فتحسبه شرا فيكشفه الله لك بعد ذلك أنه كان خيرا.. فما بدا شرا لأصحاب القارب اتضح أنه خير لهم في النهاية ... هذا هو النوع_الأول ، و الذي نراه كثيرا في حياتنا اليومية و في رحلة الحياة.. اما النوع الثاني من القدر .. مثل قتل الغلام .. فهو شرا تراه فتحسبه شرا .. لكنه في الحقيقة خير .. لكن لن يكشفه الله لك طوال حياتك .. فتعيش عمرك وتموت و أنت تحسبه شرا !! .
هل عرفت أم الغلام حقيقة ما سيحدث لابنها لو كان عاش ؟ الجواب بالتاكيد لا .. فقد عاشت حياتها و قلبها منفطر علي ابنها .. و لم تعرف أن الطفل الثاني كان تعويضا عن الأول.. وأن الأول كان سيكون سيئا ﴿ فَخَشِينَا أَنْ يُرْهِقَهُمَا طُغْيَاناً وَكُفْراً ﴾* .. فهنا نحن امام ام لن تفهم حقيقة ما حدث لها من خير إلى يوم القيامة .. اما النوع الثالث من القدر و هو الأهم هو الشر الذي يصرفه الله عنك دون أن تشعر بلطف الله الخفي لك .. الخير الذي يسوقه لك الله و لم تراه و لن تراه و لن تعلمه طوال حياتك .
هل اليتامى أبناء الرجل الصالح عرفوا أن الجدار كان سيهدم ؟ لا.. هل عرفوا أن الله أرسل لهم من يبنيه ؟ لا.. هل شاهدوا لطف الله الخفي .. الجواب قطعا بلا.. هل فهم موسى السر من بناء الجدار؟ لم يفهم الا لما أخبره بذلك سيدنا الخضر..!!! و اخيرا ...علينا جميعا ان نعلم اننا كبشر لن نستطيع أن نفهم أقدار الله .. فالصورة أكبر من عقولنا ..و علينا بالصبر لنصبر على أقداره التي لا نفهمهما .. ثق في ربك فإن قدرك كله خير .. وقل في نفسك.. أنا لا أفهم أقدار الله .. لكني يقيني بالله يقينا صادقا ان الله لا يأتي إلا بالخير .
فإذا وصلت لهذه المرحلة .. ستصل لأعلى مراحل الإيمان .. الطمأنينة .. وهذه هي الحالة التي لا يهتز فيها الإنسان لأي من أقدار الله الثلاث .. خيرا بدت أم شرا .. ويحمد الله في كل حال .. حينها فقط .. سينطبق عليك كلام الله ﴿ يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ﴾ حتى يقول .. ﴿ وَادْخُلِي جَنَّتِي ﴾ و النفس المطمنئة ليس لها حسابا ولا عذابا.. اللهم اجعلنا ممن يحسنون الظن بك ويرضون بكل قدر كتبته لنا .اللهم اجعلنا نفسا مطمئنة حتي نري وجهك الكريم امين يارب العالمين موعدنا الثلاثاء المقبل ان شاء الله.