محمود حسن يكتب: الثروة البشرية المحور والغاية
أنا حواكرم الله الإنسان على سائر مخلوقاته 'وخلق له قبل أن يخلقه ' وسخر له ما في الكون من كائنات حية أو جماد ' ولم يسخره ' فأسبغ عليه نعمه ظاهرة وباطنة " وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها "
ورغم أنه سبحانه منح الإنسان ثروات وكنوز هائلة ' إلا أنه تعالى جعل الإنسان نفسه ثروة عظيمة ' وجعله في حد ذاته نعمة تعتبر أعظم النعم '
ومثلما أمرنا سبحانه بإستثمار كافة النعم والثروات والإستفادة منها على أكمل وجه ' فقد أمرنا أيضا بإستثمار الثروة البشرية بإعتبارها - كما قلنا - أعظم النعم '
فلماذا لا يقوم جهاز متخصص في البحث الديموغرافي وهو علم دراسة السكان ' او جهاز التعبئة والإحصاء بعمل إحصائيات دقيقة لحصر جميع العاطلين والغير مؤمن عليهم في القطاعين العام والخاص ' وتتضمن تلك البيانات مؤهلات المواطن وتخصصه أو قدراته أو مهاراته ' ثم توضع خطة محكمة لإستثمار هذه الثروة البشرية الهائلة في عمليات الإنتاج في شتى مناحي العمل الزراعي والصناعي والتجاري ؟؟ ' لحل تلك المشكلة - التي هي بالأصل نعمة وليست نقمة - من جذورها بعيدا عن الحلول الجزئية والمسكنات '
والحقيقة أن هذا التصرف ليس بجديد فكثير من الدول التي تقدمت فعلت هذا ' لأنها فطنت إلى هذه الثروة وعرفت قيمتها وعملت على إستثمارها على الوجه الأمثل ' برغم أن كثير من تلك الدول لا تمتلك أي ثروات أخرى قياسا بما وهب الله مصر من ثروات ونعم كثيرة '
إن إعادة النظر إلى الإنسان المصري وإعادة ترميم ما أصابه من إحباط وتهتك نفسي وخيبة أمل وقلة حيلة وفقدان للثقة في نفسه والخجل أمام أسرته ومجتمعه بسبب إنعدام فرص العمل والذي جعله يشعر بالذل والمهانة وجرح الكرامة ' ما أجبره على توجيه وابل من العتاب واللوم على بلده التي يعشقها وتجري في دمه ' وعلى قيادته التي يعتز ويفخر بها ' فوجب على هذا البلد العظيم أن يحتضن أبنائه ويخفف من وطأة الأحمال على عاتقه ويلملم أشتاته ويعيد بناء ما تهدم من بنيانه النفسي '
ولما كانت القيادة في تلك الآونة تتخذ قرارات مصيرية جريئة لإعادة بناء مصر الحديثة وتنفذ ما تقرر بمنتهى الحزم والقوة ' فحري بها أن تجعل الإنسان نصب أعينها وتجعله في بؤرة شعورها بإعتباره محور التنمية وغايتها ' نعم فالإنسان هو غاية التنمية والتقدم '
وإلا فما جدوى أن يتزين الحجر ولا يجد من يستمتع به من البشر !؟
واعلموا أن الحياة سوف تنتهي يوما وسنرحل جميعا كما رحل الذين من قبلنا ولن يبق إلا أثر أفعالنا وحصاد أيدينا ' إن خيرا فخير وإن شرا فشر '
إن إستقرار المواطن في العمل المناسب يجعله مستقرا نفسيا ومجتمعيا ' راض عن بلده وقيادته ' قابلا بل ومرحبا لأي قرارات إصلاحية حتى ولو كانت قاسية مؤقتا من أجل الإصلاح والبناء '
ولكن كيف نقول لمبتور الأقدام قم وانطلق ' وكلنا يعلم أن الحاجة تدق أعناق الرجال '
إن تكاليف الحياة والإرتفاع الجنوني للأسعار مع إنخفاض او إنعدام الدخل هي من أخطر ما يكون على عملية التنمية بل وينعكس أثرها على الأمن القومي جراء إنتشار الجرائم التي يخلفها الفقر ' فكثير من الناس إضطروا لبيع أجسادهم بعد أن إنتهوا من بيع ممتلكاتهم ومقتنيات منازلهم '
لأن الكثير من المواطنين أصبحوا مطالبين بالدفع والسداد فقط بما لا يتناسب مع دخلهم على الإطلاق ' وبرغم أن المواطن صابرا ومتحملا لأنه يعلم أن التنمية الحقيقية والإصلاح الإقتصادي الواقعي مؤلم وموجع ' إنما للصبر حدود ' ولابد من إنقاذ ما تبقى من ماء وجه الذي أريق أكثره '
أيها السادة :
لقد إتسع الخرق على الراتق '