محمد التابعي.. ذكرى ميلاد أمير الصحافة المصرية
أنا حوامن بين الألقاب التي تطلق على الرموز في السياسة والثقافة وغيرها من المجالات يظل لقب "الأمير" متميزًا ولافتًا، فمثلما لقب أحمد شوقي بأمير الشعراء، لقب الكاتب الصحفي الراحل محمد التابعي بأمير الصحافة، إذ عرف بمعاركه السياسي ومناهضته للظلم وتسخير قلمه لمحاربة الفساد بأسلوب ساخر.
محمد التابعي صحفى مصرى صاحب مدرسة صحفية مستقلة، مارس معظم فنون العمل الصحفي من الخبر إلى التحقيق والقصة والمقال السياسي والمقال النقدي الفني، وهو بحق صاحب الأسلوب السهل الممتنع ويجمع فيه بين بساطة الكلمة وأناقتها، فقد حول المقال الصحفي من مجرد سطور جامدة تعتمد على السرد إلى كلمات لغتها بسيطة جذابة رشيقة، كما اشتهر بالمقال الخبري، وكانت له بعض المقالات التى تندرج تحت أدب الرحلات. تتلمذ على يديه عمالقة الصحافة والسياسة والأدب، أمثال محمد حسنين هيكل، مصطفى أمين وعلي أمين، كامل الشناوي، إحسان عبدالقدوس، وأحمد رجب وغيرهم . من أشهر مؤلفاته السيرة الذاتية لأحمد باشا حسنين فى كتابه "من إسرار الساسة والسياسة"، والسيرة الذاتية لأسمهان فى كتابه "أسمهان تروي قصتها"، وكتب التابعي ثلاثة عشر رواية، بالإضافة إلى مجموعة قصص من واقع الحياة التى تضمنها كتابه "بعض من عرفت "، و"مذكرات موظف مصري". ولد محمد التابعي في الثامن عشر من مايو عام 1896، وتوفى والده وهو في السابعة من عمره، وتلقى تعليمه الإبتدائى بالمنصورة، وبعد انتقاله إلى القاهرة إلتقى فى المدرسة الثانوية بصديق عمره الكاتب الصحفي الكبير فكري أباظة. إلتحق بكلية الحقوق جامعة فؤاد الأول وتخرج فيها عام 1923، وبعد تخرجه عمل موظفًا في قلم الترجمة بمجلس النواب، وظهرت ميوله الصحفية وهو ما يزال طالبًا بكلية الحقوق. كتب في "السياسة" و"أبوالهول"، و"النظام" و"الأهرام"، بتوقيع "حندس"، ثم انتقل إلى مجلة "روز اليوسف" عام 1925، وكتب فيها تحت إسم "الآنسة حكمت"، حيث كان مايزال موظفًا بمجلس النواب، وظل بروز اليوسف حتى أنشأ مجلة آخر ساعة عام 1934، التى باعها بعد ذلك لمصطفى وعلى أمين عام 1946 بعد تعرضه لأزمة صحية، وتفرغ بعدها للكتابة بصحف ومجلات أخبار اليوم، وكان التابعى قد شارك محمود أبو الفتح وكريم ثابت في إنشاء جريدة المصرى. خاضت مجلة "روز اليوسف" ومعها التابعي الكثير من المعارك السياسية إلي جانب الوفد في مواجهة حكومة الأقلية، وراح التابعي يغمز في الملك أحمد فؤاد وولي عهده فاروق وبعض الأمراء الآخرين، ففي صيف عام ١٩٢٧ بدأ في تعرية ملوك وملكات أوروبا قاصدًا تشويه النظم الملكية، ونشرت المجلة مقالًا كتب فيه أن ولى عهد مصر يجري في عروقه دم فرنسي لأن أمه الملكة نازلي هي حفيدة سليمان باشا الفرنساوي الذى استقر فى مصر وكلفه محمد على بإنشاء الجيش المصرى. قبض عليه في ديسمبر عام 1927 بعد أن نشر مقالًا بعنوان "ما بين الخديوى إسماعيل والملكة فيكتوريا - معلومات لم يسبق نشرها " ودخل السجن على الرغم من أنه كان يكتب باسم مستعار، وأفرج عنه بكفالة مقدارها خمسون جنيهًا لعدم كفاية الأدلة، واستمر بالسجن سبعة أيام حتى دفع يوسف وهبى الكفالة رغم الإنتقادات اللاذعة التي كان يوجهها له في مقالاته. قدم للمحاكمة أمام محكمة الجنايات مرتين، الأولى في مارس عام ١٩٢٨ لمحاكمته بتهمة العيب في ذوات بعض ملوك أوروبا، وصدر الحكم بحبسه ستة أشهر مع إيقاف التنفيذ، والثانية في فبراير عام 1933 بتهمة سب وقذف وزير العدل والنائب العام ومأمور مركز السنبلاوين، والسبب أنه كتب مقالًا سخر فيه من الثلاثة بسبب مقتل ثلاثة من الأهالى الذين اعترضوا على إغلاق وابور للطحين ومضرب للأرز فى قرية الحصانية مركز السنبلاوين، وحكم عليه بالحبس لمدة أربعة شهور. كان للتابعي العديد من قصص الحب التي ربطت بينه وبين العديد من الفنانات حتي أطلق عليه "دون جوان الصحافة المصرية"، تزوج من الفنانة "زوزو حمدى الحكيم"، وأعلنت خطبته للمطربة "أسمهان"، وظل مضربًا عن الزواج فترة طويلة حتى تزوج من السيدة "هدى التابعى". ومن الأقوال المأثورة المنسوبة إليه أيضًا "رسالتي الصحفية أن أحارب الظلم أياً كان وأن أقول ما أعتقد أنه الحق ولو خالفت في ذلك، أنا لا أسكت على الحال المايل، رأيي أن الصحافة تستطيع أن توجه الرأي العام، وليست أن تتملقه أو تكتب ما يسره أو يرضيه، أن يفوتك 100 سبق صحفي أفضل من أن تنشر خبرًا كاذبًا". ونسب لمصطفي أمين قوله عن التابعي "كانت مقالاته تهز الحكومات وتسقط الوزارات ولا يخاف ولا يتراجع، وكلما سقط علي الأرض قام يحمل قلمه ويحارب بنفس القوة ونفس الإصرار". داوم محمد التابعى على الكتابة حتى توفاه الله في الرابع والعشرين من ديسمبر عام 1976. وأيضًا..https://www.facebook.com/anahwa2019